مقالات الرأى

الشهادة الجامعية.. تذكرة عبور.. بقلم: محمود مشارقة

محمود مشارقة

هل تتمنى العودة للدراسة من جديد؟ هل ترغب في تغيير مسار حياتك؟ ماذا عن التخصصات التي تحبها؟

هل تمتلك ناصية اللغات الأجنبية أو الشغف للدراسة في الخارج؟ ما الوظيفة التي تحلم بشغلها في سوق العمل؟ هل الجامعات الخاصة مؤسسات تجارية هدفها الربح فقط؟ كل هذه الأسئلة راودتني قبل عام، عندما كنت أزور الجامعة الألمانية – الأردنية في عمان.

عاد بي شريط الذكريات ٣٠ عاما إلى الوراء، حين سافرت لدراسة اللغات والترجمة الفورية في روسيا، وأنا بالكاد نجحت بامتحان اللغة الانجليزية وعقدة قواعدها الصعبة تلازمني وقتها .. طالب مغامر بلا مهارات لكنه يتسلح بأحلام يقظة وايمان بأن القادم أجمل. لا غرابة أن يجد نفسه تارة أديبا أو شاعرا كادحا أو ثائرا وجيفارا عصره وتارة أخرى يشعر أنه مجرد صعلوك متسكع في شوارع بلاد لا تشبه تضاريس وجهه ومع ذلك يغطس مستمتعا بين ثنايا كتبها للأدب الخالد والفلسفة والتاريخ القديم.

عند مدخل الجامعة الالمانية هناك من يرشدك إلى قاعة استقبال تضم طاقما للتعريف بكل التخصصات التي تدرسها الجامعة، أحدهم يقنعك بالذكاء الاصطناعي والآخر بالأمن السيبراني وفي زاوية قريبة يقترح عليك أحدهم إدارة سلاسل الإمداد واللوجستيات وآخر يغريك لدراسة الهندسات بأنواعها وفروعها وبالتخصص التقليدي الحاسوب وتقنية المعلومات.

سألت الدكتور المسؤول لماذا ينصح بهذا التخصص دون ذاك وهل سوق العمل تستوعب كل هذا الكم من الهندسات .. وهل تحتاج السوق تخصص اللوجستيات مثلا مع وجود مخلص جمركي وخبير في تجارة البضائع يمكنه إدارة كل هذا الملف بنجاح؟

كان رده مقنعا بشكل موارب بوصفه التخصصات بالبحر الذي يغوص فيه الجميع ويصل الشاطئ من يستطيع الابحار بنجاح وذكاء في سوق تعج بالوظائف والخريجين والعاطلين عن العمل أيضا.

اتفقنا على أن الشهادة الجامعية عبارة عن تذكرة دخول لمعترك الحياة والمهارات هي التي تميز هذا الشخص عن غيره.. كنت فظا قليلا وأنا أتحدث إلى أستاذ أكاديمي بأنه لا فائدة من الالقاب الجامعية التي تجعلك محصورا أو أسيرا في نطاق ضيق تحت مسمى دكتور جامعي أو حامل درجة الماجستير أو البكالوريوس.. وتحدثنا عن سلبيات مجتمعنا أسير مسميات دكتور ومهندس ومحامي حتى الآن بلا رصيد معرفي ولا حتى مادي يضاهي كل هذه الألقاب.

ما لفت انتباهي وأنا مؤمن بنظريات المؤامرة والغزو الفكري أن الجامعة تشترط على الطلاب دراسة اللغة الألمانية، ولديها برنامج ابتعاث تأهيلي لطلابها في سوق العمل الألمانية لمدة عام، كما أن لديها الكثير من البرامج التعليمية والتدريبية لجعلك جزءا من الماكينة الألمانية صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وربما فيما بعد تصبح مواطنا ألمانيا صالحا رغم طبيعة اسمك ومعتقداتك الفكرية العربية والإسلامية التي تؤمن فيها ولا يمكنك تغييرها.. حتما هتلر مات والنازية سقطت كغيرها من الحركات والأنظمة التي لفظها التاريخ.

تنفض الغبار عن المعتقدات البائسة التي تساورك وأنت تعلم في داخلك أن تلاقي الحضارات أصعب من صراع الحضارات في عالم يعج بالصراعات.

بالمناسبة، ألمانيا تحتاج إلى مليون مهاجر سنويا ممن يمتلكون المهارات لحل أزمة نقص العمالة الماهرة في بلد كغيره من دول أوروبا القارة العجوز التي تشيخ بسرعة وتهرم وتتغير طبيعتها الديموغرافية تبعا للهجرات وتناقض عدد السكان.

الخلاصة أن فرص الحياة لا تتوقف على تخصص تحت مسمى براق عاث عليه الزمن.. الأصل ما نمتلك من مهارات وخبرات ابداعية تؤهلنا لاقتحام سوق العمل والمنافسة فيه.

وعودا على بدء، لو عاد الزمن إلى الوراء سأختار بلا شك تخصص يشكل قيمة مضافة لمسيرة حياتي، الأهم أن تستكشف رغباتك أولا وما تحب وأين يمكنك أن تبدع وفق قدراتك.. حتما رصيدك الانساني يجب أن يوازي أو يفوق رصيدك العلمي فأنت في النهاية لست ماكينة ألمانية حسنة الصنع، لكنك بحاجة إلى انضباطها لتتماشى مع عقارب حداثة ورقمنة لا تنتظر أحدا.

 

هل تتمنى العودة للدراسة من جديد؟ هل ترغب في تغيير مسار حياتك؟ ماذا عن التخصصات التي تحبها؟

هل تمتلك ناصية اللغات الأجنبية أو الشغف للدراسة في الخارج؟ ما الوظيفة التي تحلم بشغلها في سوق العمل؟ هل الجامعات الخاصة مؤسسات تجارية هدفها الربح فقط؟ كل هذه الأسئلة راودتني قبل عام، عندما كنت أزور الجامعة الألمانية – الأردنية في عمان.

عاد بي شريط الذكريات ٣٠ عاما إلى الوراء، حين سافرت لدراسة اللغات والترجمة الفورية في روسيا، وأنا بالكاد نجحت بامتحان اللغة الانجليزية وعقدة قواعدها الصعبة تلازمني وقتها .. طالب مغامر بلا مهارات لكنه يتسلح بأحلام يقظة وايمان بأن القادم أجمل. لا غرابة أن يجد نفسه تارة أديبا أو شاعرا كادحا أو ثائرا وجيفارا عصره وتارة أخرى يشعر أنه مجرد صعلوك متسكع في شوارع بلاد لا تشبه تضاريس وجهه ومع ذلك يغطس مستمتعا بين ثنايا كتبها للأدب الخالد والفلسفة والتاريخ القديم.

عند مدخل الجامعة الالمانية هناك من يرشدك إلى قاعة استقبال تضم طاقما للتعريف بكل التخصصات التي تدرسها الجامعة، أحدهم يقنعك بالذكاء الاصطناعي والآخر بالأمن السيبراني وفي زاوية قريبة يقترح عليك أحدهم إدارة سلاسل الإمداد واللوجستيات وآخر يغريك لدراسة الهندسات بأنواعها وفروعها وبالتخصص التقليدي الحاسوب وتقنية المعلومات.

سألت الدكتور المسؤول لماذا ينصح بهذا التخصص دون ذاك وهل سوق العمل تستوعب كل هذا الكم من الهندسات .. وهل تحتاج السوق تخصص اللوجستيات مثلا مع وجود مخلص جمركي وخبير في تجارة البضائع يمكنه إدارة كل هذا الملف بنجاح؟

 كان رده مقنعا بشكل موارب بوصفه التخصصات بالبحر الذي يغوص فيه الجميع ويصل الشاطئ من يستطيع الابحار بنجاح وذكاء في سوق تعج بالوظائف والخريجين والعاطلين عن العمل أيضا.

اتفقنا على أن الشهادة الجامعية عبارة عن تذكرة دخول لمعترك الحياة والمهارات هي التي تميز هذا الشخص عن غيره.. كنت فظا قليلا وأنا أتحدث إلى أستاذ أكاديمي بأنه لا فائدة من الالقاب الجامعية التي تجعلك محصورا أو أسيرا في نطاق ضيق تحت مسمى دكتور جامعي أو حامل درجة الماجستير أو البكالوريوس.. وتحدثنا عن سلبيات مجتمعنا أسير مسميات دكتور ومهندس ومحامي حتى الآن بلا رصيد معرفي ولا حتى مادي يضاهي كل هذه الألقاب.

ما لفت انتباهي وأنا مؤمن بنظريات المؤامرة والغزو الفكري أن الجامعة تشترط على الطلاب دراسة اللغة الألمانية، ولديها برنامج ابتعاث تأهيلي لطلابها في سوق العمل الألمانية لمدة عام، كما أن لديها الكثير من البرامج التعليمية والتدريبية لجعلك جزءا من الماكينة الألمانية صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وربما فيما بعد تصبح مواطنا ألمانيا صالحا رغم طبيعة اسمك ومعتقداتك الفكرية العربية والإسلامية التي تؤمن فيها ولا يمكنك تغييرها.. حتما هتلر مات والنازية سقطت كغيرها من الحركات والأنظمة التي لفظها التاريخ.

تنفض الغبار عن المعتقدات البائسة التي تساورك وأنت تعلم في داخلك أن تلاقي الحضارات أصعب من صراع الحضارات في عالم يعج بالصراعات.

بالمناسبة، ألمانيا تحتاج إلى مليون مهاجر سنويا ممن يمتلكون المهارات لحل أزمة نقص العمالة الماهرة في بلد كغيره من دول أوروبا القارة العجوز التي تشيخ بسرعة وتهرم وتتغير طبيعتها الديموغرافية تبعا للهجرات وتناقض عدد السكان.

الخلاصة أن فرص الحياة لا تتوقف على تخصص تحت مسمى براق عاث عليه الزمن.. الأصل ما نمتلك من مهارات وخبرات ابداعية تؤهلنا لاقتحام سوق العمل والمنافسة فيه.

وعودا على بدء، لو عاد الزمن إلى الوراء سأختار بلا شك تخصص يشكل قيمة مضافة لمسيرة حياتي، الأهم أن تستكشف رغباتك أولا وما تحب وأين يمكنك أن تبدع وفق قدراتك.. حتما رصيدك الانساني يجب أن يوازي أو يفوق رصيدك العلمي فأنت في النهاية لست ماكينة ألمانية حسنة الصنع، لكنك بحاجة إلى انضباطها لتتماشى مع عقارب حداثة ورقمنة لا تنتظر أحدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى