فاغنر.. شركات عسكرية تحت الطلب.. بقلم: محمود مشارقة

أسدل الستار على ما يسمى “تمرد” قوات فاغنر في روسيا الاتحادية باتفاق يحق الدماء ويحفظ هيبة ومصالح الأطراف المتنازعة في صراع الكل فيه خاسر.
تصرف بوتين بذكاء شديد باسقاط الملاحقة القضائية للرجل الخلافي يفغيني بريغوجين، فالأخير هو طباخ العمليات العسكرية السرية للكرملين في بقاع مختلفة من العالم ولديه من الأسرار ما يكفي لفضح دهاليز السياسة العسكرية لبوتين ، الذي حيد هيمنة قائد هذه القوات مؤقتا وربما أنهى طموحات بريغوجين السياسية المستقبلية مع تنامي شعبيته في الشارع الروسي بعد الحرب في أوكرانيا .
التمرد فتح باب البحث قي دور الشركات العسكرية الخاصة كجيوش رديفة تعمل بالأجرة في الحروب ، فالدور الذي لعبته ميليشيات فاغنر في سوريا وليبيا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط وعدد من الدول الأفريقية آخرها السودان تجعل مهمة التخلص من هذه القوات مستحيلة لتشابك المصالح بعد أن إنقلب السحر على الساحر.
في العالم اليوم هناك عدد كبير من الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة التي تلعب أدورا استراتيجية في الحروب لعل أبرزها ، «بلاك ووتر» الأميركية والبريطانية G4S ، والسويسرية Securitas ، والفرنسية Scopex .وهناك شركات مثل، «هاليبورتن» الأميركية ودورها في العراق وهناك «اسكارد جيرمان» الألمانية، و«ديفيون انترناشيونال» الأميركية الجنوبية (بيرو)، و«إكزكيتيف آوتكم» الجنوب أفريقية، و«ساندلاين إنترناشيونال» و«آيجيس دفانس» البريطانيتان. وهناك حسب المراجع عدة شركات عربية صغيرة مثل «فالكون» و«كير سرفيس» و«كوماندوز»، و«سكيورتي» ، والتي تتولى شؤون الحراسات الأمنية التي تعمل بدون عتاد عسكري يوازي الجيوش، وكثير من أعضائها عبارة عن مرتزقة ومتقاعدين عسكريين يتقاضون مبالغ مجزية مقابل خدماتهم .
فكرة الشركات العسكرية والأمنية لا تثقل كاهل الدول وإنما لها مردود مالي وسياسي كبير إذا ما أخذنا بالاعتبار أدوارها القيادية في المهمات التي لا تحتاج إلى حسيب أو رقيب.. فهي تقوم بمهمات خطيرة بالأجرة ولها هرم وظيفي مختلف عن الجيوش التقليدية، والحالة الروسية لا تختلف عن نظيراتها في الدول الكبرى التي تدفع أموالا طائلة لهذه الشركات بعيدا عن الأضواء.
من هنا لا غرابة أن تنتهي الأزمة بحلول دبلوماسية بيلاروسية تحقن الدماء وتجنب روسيا الفوضى شبح حرب أهلية هي في غنى عنها في معركتها مع أقوى حلف عسكري في العالم وهو الناتو.
بدون مواربة.. حالة فاغنر أظهرت نقاط ضعف روسيا وصراع العسكر فيها وسلطت الضوء على الفوضى التي تعيشها حاليا وتآكل هيبة المؤسسة الدفاعية بين الأجنحة المتنافسة والمتنافرة في آن واحد ، وسيكون لها تبعاتها باعادة تنظيم الشركات العسكرية الخاصة واعادة هيكلة المنظومة الدفاعية والهجومية برمتها حتى لا تتحول يوما ما مثل هذه الشركات العملاقة إلى تهديد للدول وجيوشها النظامية.